.
.
.
.
تتمة قصة نوح(عليه السلام)
ولمّا اكتمل الأمر وصارت المدّة ألف سنة إلا خمسين عاما، أوحى الله إليه بصنع السفينة (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا). فأخذ نوح (عليه السلام) يصنع الفلك، وجبرئيل يعلّمه كيف يصنعها.. وإذ كان من الواجب صنع سفينة تسع ملايين المخلوقات، أوحى الله إليه: أن يكون طول السفينة ألفاً ومائتي ذراع، وعرضها ثمانمائة ذراع، وارتفاعها ثمانين ذراعاً، فيكون الحجم سبعة ملايين، وستمائة وثمانين ألف ذراع.
لكنّ نوحاً (عليه السلام) سأل الله تعالى أن يعينه على صنع مثل هذه السفينة الكبيرة، قال: يا ربّ من يعينني على اتخاذها؟ فأوحى الله إليه: ناد في قومك، من أعانني عليها، ونجر منها شيئاً صار ما ينجره ذهباً وفضة. فأعانوه في صُنعها. وكان محلّ صنع السفينة صحراء وسيعة (ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملا من قومه سخروا منه)!
فكان بعضهم يقول: أيها النبي، لم عدلت عن رسالتك إلى النّجارة؟
وبعضهم كان يقول: يا نوح صرت نجّاراً بعد النبوّة؟!
وبعضهم كان يقول: السفينة تصنع للبحر وأنت تصنعها في البر؟!
وكانوا يتضاحكون! ويتعجبون! ويرمون نوحاً بالجنون والسّفه.
ويجيبهم نوح (عليه السلام) في تأدّب ولين: (إن تسخَروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلّ عليه عذابٌ مقيم). واشتغل بالعمل جادّاً، حتى تمّ صنع السفينة.
* * *
ثم أمر الله سبحانه نوحاً أن يحمل في السفينة الذي آمنوا معه.. ومِن كل ذي روح زوجين اثنين، لئلا ينقرض نسل الحيوان.. وقد كان نوح هيّأ لكلّ صنف من أصناف الحيوان، موضعاً في السفينة، ثم حمل من جميع الأصناف التي تغرق في الماء، ولا يتمكّن أن يعيش فيه.
فحمل من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ومن الغزال اثنين، ومن اليحمور اثنين، ومن البغل اثنين، ومن الفرس اثنين، ومن الأسد اثنين، ومن النمر اثنين، ومن الفيل اثنين، ومن الكلب اثنين، ومن الدّب اثنين.. وهكذا..
وحمل من الحمام اثنين، ومن العصفور اثنين، ومن الصعوة اثنين، ومن الغراب اثنين، ومن الكركي اثنين، ومن البلبل اثنين، ومن الببغاء اثنين، ومن النّسر اثنين ومن الهدهد اثنين، ومن الفاختة اثنين، ومن الطاووس اثنين.. وهكذا..
وحمل من الجعلان اثنين، ومن اليراعة اثنين، ومن اليربوع اثنين، ومن السنور اثنين، ومن الخنافس اثنين.. وهكذا..
وبالجملة فقد صنع في السفينة اكبر حديقة حيوانية شاهدها العلم. وجمع في السفينة لكل حيوانٍ من طعامه الخاصّ مبلغاً كثيراً. هكذا شاء الله.. ونفّذ مشيئته نوح (عليه السلام).
وحمل الذين آمنوا به، وكان عددهم ثمانين شخصاً.. (وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسيها إن ربّي لغفور رحيم).
* * *
وكان لنوح (عليه السلام) زوجتان، إحداهما مؤمنة، والثانية كافرة.. وكانت الزوجة الكافرة تؤذي نوحاً، وتقول للناس: إن زوجي مجنون وإذا آمن أحد، أخبرت الكفّار.
وقد أشار الله تعالى في القرآن إلى هذه الزوجة، حيث يقول: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
ولما ركب نوح (عليه السلام) السفينة، اركب معه الزوجة المؤمنة، وترك الكافرة، فغرقت مع سائر الكفار.
* * *
ولما ركب نوح والّذين آمنوا معه السفينة، وأركب جميع الحيوانات، كلاً في موضعه.. كسفت الشمس، وأخذت السماء تمطر مطراً غزيراً، وطفقت عيون الأرض تنبع بالمياه الكثيرة (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) منصب انصباباً شديداً لا ينقطع (وفجّرنا الأرض عيوناً) حتى جرت المياه على وجه الأرض (فالتقى الماء) ماء الأرض وماء السماء، حتى صار العالم كبحر كبير.
واستمرّ هطول الأمطار ونبع العيون أربعين يوماً. وفي تلك الأثناء، كانت السفينة تجري فوق ظهر الماء حسب هبوب الرياح، وإذا بنوح (عليه السلام) يشرف من السفينة فيرى ولده، يقع مرّة، ويقوم أخرى، يريد الفرار من الغرق، فناداه: (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين). لكن الابن العاق أبى قبول نصيحة والده الشفيق، وأجاب نوحاً (قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء).
فنظر إليه نوح نظر مشفقٍ، وقال: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم). ولكنّ عناد الولد، وإصراره على الكفر حال بينه وبين قبول نصح أبيه، فلم يركب السفينة، وكانت السفينة حينذاك (تجري في موج كالجبال).
وبعد برهة من هذه المحاورة (حال بينهما) بين نوح وولده (الموج فكان من المغرقين). وأخذت نوح (عليه السلام) الرقة على ولده، فتضرّع إلى الله تعالى في نجاة ابنه الغريق، فإن الله تعالى كان قد وعده بنجاة أهله، فقال نوح (عليه السلام): (ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحقّ وأنت أحكم الحاكمين).
ولكنّ الله تعالى، كان قد وعد نجاة أهل نوح الذين كانوا من الصالحين، ولذا أجابه: (يا نوح إنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح).
بعدما غمر الماء جميع الأرض، وهلك كل كافر (قيل يا أرض ابلعي ماءك)! فغاض الماء الذي نبع من الأرض، وأوحى إلى السماء: (يا سماء اقلعي) وكُفي عن الانصباب والمطر، فانقطع المطر (واستوت) السفينة (على الجودي) وهو جبل، أرست السفينة عليه، وأخذت المياه التي بقيت على الأرض من الأمطار، تتسرّب إلى البحار.
وأوحى إلى نوح (عليه السلام): (يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أممٍ ممن معك) فنزل نوح من السفينة، ونزل المؤمنون الذين كانوا معه، وبنوا مدينةً، وغرسوا الأشجار، وأطلقوا الحيوانات التي كانت معهم.
وابتدأت العمارة في الأرض، وأخذ الناس يتوالدون ويتناسلون، وأوحى الله تعالى إلى نوح: يا نوح، إنني خلقت خلقي لعبادتي، وأمرتهم بطاعتي، فقد عصوني، وعبدوا غيري واستوجبوا بذلك غضبي، فغرّقتهم.
0 commentaires: